جهاز تنمية الابتكار والاختراع.. يزرع الأفكار ويحصد الإبتكار
د. طارق قابيل
بالرغم من أن الأفكار الأصيلة لا أجنحة لها، فإنها قد تسبق الريح، وتعصف بالثابت وتزلزل جبال الركود وتصنع التاريخ. وعلى مدار التاريخ فقد كانت الاختراعات الجديدة والابتكارات الخلاقة المدهشة مناراً لنهوض المجتمعات وتقدم بني البشر وتحضرهم. ومازالت الإبتكارات والإختراعات تمثل طوق النجاه للمجتمعات البشرية وتشكل منجماً لاينضب للثروات غير التقليدية وغير المعتمدة على الموارد المحلية المتاحة.
إن كل ما تتطلبه الأفكار الأصيلة المبتكرة هو وجود بيئة ملائمة لها لتنبت وتنمو وتترعرع. وكان لزاما أن تقوم جهة ما في بلادنا بمساعدة الأفراد على تطوير أفكارهم وتنمية إبداعهم على نحو منهجى منظم عالى الفاعلية، وهو عمل ضروري وحاجة ملحة تحتاجه بلادنا بشدة، وبالذات فى هذه الفترة المظلمة من الأقتصاد العلامى. ويجب أن يشارك في تنفيذ هذا الجهد المؤسسات العامة والخاصة الى جانب مؤسسات المجتمع المدني، للنهوض بهذا الدور الحيوي والرائد الذى يمثل حجر الزاوية لبناء نهضة الأمم، وتلبية حاجتها الوطنية الملحة.
ومن أجل تحقيق هذا الهدف الوطنى الكبير أنشئ جهاز تنمية الابتكار والاختراع بأكاديمية البحث العلمى والتكنولوجيا المصرية بمقتضى قرار وزير البحث العلمى والطاقة الذرية رقم 3 لسنه 1976م، ثم انتقلت تبعيته إلى أكاديمية البحث العلمى والتكنولوجيا بقرار وزير التعليم والبحث العلمى رقم 7 لسنه 1978، وتم افتتاح المرحلة التطويرية للجهاز فى يوليو 2001 . وجهاز تنمية الابتكار والاختراع هو جهاز فريد من نوعه في قارة أفريقيا والعالم العربى، و يهدف إلى تنمية الوعى الابتكارى وحشد وحفز القدرات الابتكارية والتكنولوجيا الوطنية المبدعة بشتى الوسائل المادية والأدبية والوصول بهذه الابتكارات إلى درجة الاستغلال التكنولوجى.
ويوجد في مصر الآن أكثر من 23 ألف براءة اختراع مسجلة، غير آلاف الأفكار والابتكارات الأخرى غير المسجلة، التي لا تجد من يعتني بها أو يوظفها عمليا في حياة الناس، بالرغم من أنه يمكن انتقاء مئات الابتكارات المفيدة منها، وخاصة التي تقدم حلولا عملية ونافعة لكثير من مشكلاتنا الاقتصادية الملحة التى تعانى منها بلادنا. ويطمح الجهاز إلى نشر وتعظيم الاستفادة من هذه الأفكار، واستقطاب ذوي الأفكار الجديدة، وتشجيع أى فرد يمتلك ابتكار جديد، أو فكرة خلاقة. كما يهدف الجهاز إلى التنقيب عن الأفكار الخلاقة في شتى مناحى الحياة، التي تجود بها قرائح المبدعين والباحثين في مصر والعالم العربي، والعمل على دراستها وتأصيلها منهجيا بعد التأكد من جديتها وموضوعيتها، وإخضاعها للبحث المنهجي العلمي الدقيق من جانب علماء وخبراء متختصين، يبحثون إمكانية الاستفادة الفعلية منها، ومدى فعاليتها في حياة الناس عمليا وتطبيقيا.
ويشير الأستاذ الدكتور محمد طارق حسين رئيس أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا إلى أنه مازالت تنقصنا ثقافة الملكية الفكرية. كما يشير إلى أن رجال الأعمال لم يقوموا بأدني جهد من أجل تشجيع الابتكارات الوطنية، ونطالبهم بأن يمدوا يد العون للمخترعين والدخول معنا شركاء في الكثير من المخترعات لتحويلها إلي منتجات، خاصة أن بعض الشركات تشتري براءات الاختراع من الخارج، وتتكبد مبالغ طائلة في ذلك. ويستدرك بأن براءات الاختراع تقود الثورات التكنولوجية في كل مكان حول العالم الآن، ويؤكد على أن أكاديمية البحث العلمى والتكنولوجى قد خصصت ميزانية كبيرة لدعم الأبتكارات الواعدة التى يحتاجها السوق المحلى بشدة، والتى تساهم فى التنمية الإجتماعية والإقتصادية، وتعود بالخير الوفير على أهلنا من المصريين والعرب.
كما يوضح الدكتور طارق حسين أن براءات الاختراع ليست سوي وثيقة قانونية تحمي حق المخترع في اختراعه. وعلي رجال الأعمال التقاط الاختراعات الواعدة، وتحويلها إلي نماذج أولية، ومساعدتنا في عمل هذه النماذج، لتوفير تكلفة تنفيذ النماذج الأولية للمبتكرات، والتي تتراوح بين ألف وخمسين ألف جنيه للإبتكار الواحد. كما يؤكد على أن إقبال المستثمرين ورجال الأعمال علي استثمار أموالهم في هذه الاختراعات، كي تتحول إلي منتجات يتم تسويقها فى السوق المحلية والعربية سيعود بالخير على الجميع، وسيحقق نهضة علمية وتكنولوجية واعدة لبلادنا. ويتابع: إن رقمنا في براءات الاختراع متدن جدا عالميا، فعدد البراءات بالقياس إلي السكان يعد مؤشرا لمدي تقدم الدولة علميا، وهناك حلقة مفقودة بين نتيجة البحث العلمي وتحوله إلي منتج تكنولوجي، والحل في استحداث حاضنات تكنولوجية كوسيط بين البحث والتطبيق، مشيرا إلي أن امتلاك التكنولوجيا ثروة لا تقدر بثمن، فاليابان على سبيل المثال دولة معدمة الموارد لكنها تحقق معظم دخلها القومي من أفكار أبنائها.
ونظراً لأن سواد المخترعين لا يملكون القدرة على إخراج أفكارهم للنور المواهب الواعدة والابتكارات العلمية الجديدة، فيقوم الجهاز بتشكيل لجان متخصصة في مجالات العلوم والهندسة والتكنولوجيا تعرض عليها الإبداعات والابتكارات الجديدة لاختيار المناسب والنافع منها، وترفع اللجان توصياتها لإدارة الموقع، التي تختار في النهاية الأفكار الجادة والابتكارات المفيدة، وتعرضها للتنفيذ على الجهات المعنية وتتعهدها بالرعاية حتى ترى النور.
وجهاز تنمية الابتكار والاختراع يستهدف تشجيع الأفكار الوطنية المبدعة بشتي الوسائل المادية والأدبية، ويحاول أن يمد يد المساعدة لشبابنا الواعدين، ممن حصلوا علي براءات اختراع، بحيث تتحول هذه الابتكارات إلي منتجات قابلة للتسويق، وقيمة مضافة جديدة للاقتصاد الوطني.
ويهدف الجهاز إلى تشجيع وتصنيع النماذج الأولى للابتكارات والاختراعات المصرية المتميزة التى تؤدى إلى توليد تكنولوجيا وطنية متميزة وواعدة. كما يساهم الجهاز فى تنسيق الجهود الوطنية لتنمية القدرات الابتكارية خاصة بين شباب المبتكرين من خلال دعم النوادى العلمية واتحادات المبتكرين والمخترعين والجمعيات الوطنية الخاصة، وعن طريق إقامة معارض ومسابقات سنوية لاختيار أفضل الابتكارات والاختراعات المختلفة ومنح الفائزين جوائز مالية وعينية. كما يسلط الجهاز الضوء على خصائص الابتكارات والاختراعات المصرية المتميزة وذلك عن طريق وسائل الإعلام المختلفة، وعن طريق تنظيم وإقامة المعارض وعقد اللقاءات وورش العمل. كما يقوم الجهاز بتشجيع الهيئات الصناعية والمنظمات الاستثمارية بكيفية تبنى واحتضان الابتكارات والاختراعات المتميزة فى المجالات المختلفة وإيجاد السوق المناسب لها، ويدعوهم لتخصيص نسبة من رؤوس أموالهم لاستثمارها من اجل تحقيق هذا الهدف الأسمى، ويشجعهم على إدخال منتجات جديدة إلى الأسواق والاستفادة من العائد منها فى إطار القواعد المنظمة والمشجعة.
ويشير الدكتور طارق قابيل، المشرف علي قطاع التنمية التكنولوجية والخدمات العلمية بالأكاديمية، إلي أن القطاع ينقسم إلي جهازين، تنمية الابتكار والاختراع، ومركز الأجهزة العلمية، مؤكدا أن هدف القطاع دعم وتعزيز الصناعات الصغيرة والمتوسطة بمخرجات الابتكار والاختراع، لذلك يقوم الجهاز في هذا الصدد بتوقيع عقود تسويق مع المخترعين، علي أن يقوم الجهاز بتصنيع النموذج الأولي لابتكاراتهم واختراعاتهم. كما يناشد الدكتور قابيل جميع وسائل الإعلام المرئى والمسموع والمكتوب ضرورة نشر الوعي الابتكاري، موضحا أن آليات إخراج براءات الاختراع للاستفادة منها في المجتمع، تشمل النشر الإعلامي، بالدعاية والإعلان والاشتراك في المعارض الدولية والمحلية، بناء علي عقد تسويق يبرم مع المخترع، والتعاقد مع جهة تصنيع كبيرة.
ويضيف أن الجهاز يشتمل على عدة لجان، مثل لجنة فحص ودراسة البراءات بهدف التحديد المبدئى للبراءات القابلة للتسويق ، ولجنة إدارة مشروع التعاون المبرم بين الصندوق الاجتماعى للتنمية وأكاديمية البحث العلمى والتكنولوجيا المصرية. وجدير بالذكر أن الصندوق الإجتماعى للتنمية يقوم بدور فعال بالتعاون مع الأكاديمية لدعم تنفيذ النماذج الأولية للمبتكرات المصرية، وقد لعبت هذه الشركة دوراً محموداً فى إخراج العديد من المبتكرات إلى النور.
وقد شارك الجهاز فى عدة معارض بداخل مصر وخارجها، مثل معرض الكوميسا، و معرض تكنولوجيا التعليم الخاص بأرض المعارض، مدينة نصر والمعرض المقام على هامش مؤتمر “تقييم التجربة والرؤية المستقبلية” لمشروع تطوير التعليم العالى. وشارك المؤتمر فى المعرض المصاحب للمؤتمر الدولى للبحث العلمى من أجل التنمية نحو صياغة إستيراتيجية تطبيقية، والمعرض الدولى السادس لتكنولوجيا الصناعات الصغيرة عام 2007. كما شارك الجهاز فى معرض الكويت الدولى للاختراعات ، فى نفس العام .
وحصل العديد من المخترعين على جوائز متميزة فى عالم الإبتكار والإختراع، مثل جائزة الإبداع والاختراع المقدمة من المنظمة العالمية للملكية الفكرية والاتحاد الإفريقى، وجائزة تنمية الابتكار والاختراع فى مجال الصناعة والتنمية التكنولوجية.
تصنيع النماذج الأولى لبعض الاختراعات المتميزة
ويقوم الجهاز بتمويل وتصنيع النماذج الأولى لبعض الاختراعات المتميزة والمختارة، وقام الجهاز بتصنيع بعض النماذج طبقًا لاتفاقية التعاون مع الصندوق الاجتماعى للتنمية ، كما تمكن الجهاز من تنفيذ أجهزة متنوعة تخدم جميع مجالات الحياة. ومن بين الابتكارات التي تم توقيع عقود تسويق بين الجهاز والمخترعين بشأنها فى مجال صناعة السيارات تصنيع جهاز للإنذار وللإطفاء الذاتى للسيارة، وجهاز لحماية فرامل السيارة ويعمل بالهواء المضغوط، وجهاز لوقاية المحركات الثلاثية الأوجه، و كرسى متحرك ذاتى الحركة لذوي الاحتياجات الخاصة، وجهاز طرد هواء الفرامل من السيارة دون مكاركة، وجهاز آلي بمطب صناعي لتوقيف السيارة الهاربة، بالإضافة لإنتاج محلول مانع لاشتعال الحريق يستعمل فى السيارات والعديد من المنشئات.
أما فى المجال الطبى فقد تمكن الجهاز من تصنيع نماذج أولية للعديد من الأجهزة الطبية الهامة، والتى لا يتوجد لها مثيل على مستوى العالم مثل جهاز إيقاف النشاط الكهربى الزائد بالمخ المسبب للصرع، وقد أجريت تجارب مبدئية على الجهاز تحت إشراف علماء المخ والأعصاب فى كلية الطب القصر العينى وأثبت فاعلية مميزة، كما تم تصنيع جهاز آخر لتفتيت حصوات الكلى والمسالك البولية عن طريق ضغط الهواء، وهو جهاز فريد تم تجربته بجامعة أسيوط المصرية، هذا بالإضافة لجهاز لتنمية المهارات للأسوياء وللمعاقين.
وفى مجال تكنولوجيا المياة قام الجهاز بتنفيذ عدة أجهزة هامة يحتاج إليها العالم العربى من المحيط إلى الخليج مثل عمل جهاز لتحلية المياه للحصول على المياه المقطرة بترطيب وتكثيف الهواء، وجهاز لترشيد استهلاك المياه، وجهاز إلكتروني يقلل ملوحة المياه والرواسب والأملاح المعدنية بمعادلتها كهروستاتيكيا، وإستحداث طريقة آمنة لتأمين اسطوانات الكلور المضغوطة.
أما فى المجال الزراعى فقد تم إستحداث طريقة لتحضير مبيد حشرى بيرثرويدى، وتصنيع جهاز لتقليع حطب القطن. كما تم تصنيع ماكينة آلية لتقطيع الخبز البلدى، تصميم جهاز يساعد على إستحداث طريقة لتربية ملكات نحل العسل داخل طوائف نحل العسل فى ظل وجود الملكة، وهو يساعد على زيادة إنتاج غذاء ملكات النحل بنسب عالية تزيد عن المعدل الطبيعى لخلايا النحل. كما تم إستحداث طريقة جديدة لاستخلاص مادة لاصقة من أصل نباتى.
ومن ناحيته يدعو الدكتور محمد طارق حسين رجال الأعمال والهيئات التمويلية المصرية والعربية والدولية للتبرع لجهاز الإبتكار والإختراع، وعقد إتفاقات شراكة مع الجهاز من أجل دعم تصنيع النماذج الأولية لابتكارات المبتكرين، باعتبارها الخطوة الأولي والأساسية، التي يقوم بها الجهاز بعد التعاقد مع المخترع، كي يتحول ابتكاره إلي مادة قابلة للتسويق، ومن ثم إلي خط إنتاج في مرحلة تالية. ويؤكد على أن مصر دائماً ولادة، وأن الأفكار المصرية متجدده، وتناسب الإحتياجات المحلية فكما يقول المثل فإن “الحاجة أم الإختراع”، وهو ما يظهر جلياً فى طبيعة الإبتكارات المحلية، والتى إذا ما تم تبنيها فمن المؤكد أنها ستساعد على تنمية المجتمع المصرى والمجتمعات العربية، وتقودها جميعاً إلى بر الأمان. كما يؤدى الإستثمار فى عالم الإبتكار إلى بداية جديدة فى عالم الإقتصاد، تساعد النظم الإقتصادية فى الإستيقاظ من كبوتها فى عهد الإقتصاد الجديد المبنى على المعرفة.
جهاز حكومي لتسويق الابتكارات لم يحظ بتعاون رجل أعمال واحد
جهاز حكومي لتسويق الابتكارات لم يحظ بتعاون رجل أعمال واحد
المبتكرون أيتام.. علي موائد رجال الأعمال!
مدير جهاز تنمية الابتكار: 43 عقدا تسويقيا
دون أي مشاركة من القطاع الخاص
جهاز تنمية الابتكار والاختراع وليد ظهر حديثا للنور بأكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا من أجل الوصول بالاختراعات الصادرة لها براءات اختراع إلي درجة الاستغلال التكنولوجي والطرح التجاري, من خلال المعاونة في تسويقها عبر عقد الصفقات بين أصحاب الابتكارات من جهة, ورجال الأعمال والشركات المتخصصة من جهة أخري, لكن المفاجأة كانت عدم تعاون رجل أعمال واحد مع الجهاز, وقصر التعاون معه علي شركات القطاع العام وقطاع الأعمال, مما يعني أن المبتكرين في مجتمعنا صاروا أيتاما علي موائد رجال الأعمال, مع أن هؤلاء الأخيرين يمكن أن يجنوا الذهب الصافي من وراء ابتكارات بعينها, فيما لو تم تحويلها إلي منتج وطني بفكر مصري.
كيف يمكن ألا يتكرر هذا الحادث.. كيف يمكن تأمين أي سفينة ضد الغرق في حال تعرضها له؟
هكذا أخذت التساؤلات تدق كالمطارق في رأس الشاب المصري محمد منير راشد, وهو يتابع أحداث غرق العبارة السلام98 قبل نحو عامين, علي الفضائيات العربية, أكل الغضب قلبه, كأي مواطن تابع المشاهد المروعة.. تأمل الضحايا وقد تحولوا إلي أشلاء, فيما رسمت تعبيرات الحزن ملامحها علي وجوه الناجين, وكانوا قلة.
يقول محمد: ظلت مشاهد الفاجعة لا تغادر مخيلتي قرابة أسبوع, كنت أقلب الأفكار ليل نهار, إلي أن لمعت الفكرة.. لماذا لا نتعامل مع جسم السفينة في لحظات الخطر علي أنه جسم يمكن إنقاذه؟
من هنا ـ يواصل محمد ـ جاءت فكرة البالونة الذكية.. ناقشت أمرها مع والدي, فشجعني علي المضي فيها, وتقوم الفكرة علي بالونة عبارة عن تانك أو خزان به غاز خفيف مضغوط أو مسال متصل ببالون مطاطي, يتم نفخه عند اللزوم, مما يؤدي إلي تقليل وزن الجسم المتصل به أو حمله في الهواء, وطريقة عمله أنه كبسولة سهلة الانفصال عن جسم المركبة, مزودة بـسمارت بالون, وفي حالة الطوارئ تنفصل الكبسولة عن جسم المركبة, بعد لجوء البحارة والركاب إليها, فتحملهم إلي أعلي, فوق سطح الماء, إلي أي مكان للنجاة.
من أهم فوائد الاختراع ـ كما يقول ـ عدم الحاجة إلي طلب النجدة من الخارج, أو البحث عن السفينة وتحديد مكانها, أو التعامل مع جسمها ككل, إذ يتم الاكتفاء بالأجزاء المهمة منها, دون الحاجة إلي إهدار أي لحظة, إذ أن عملية الإنقاذ ستكون فورية وذاتية, علما بأن الغاز المستخدم فيها يتعامل مع الماء والهواء.
محمد سجل الفكرة في مكتب براءات الاختراع الوطني بتاريخ13 أغسطس من العام الماضي, برسوم قدرها655 دولارا أمريكيا.. وكانت المفاجأة أن اختراعه تنافس مع اختراعات مشابهة لستة مخترعين علي مستوي العالم, ثلاثة من الولايات المتحدة, واثنين من انجلترا, وواحد من ألمانيا, فليس بينهم عربي واحد, وبرغم هذه المنافسة حصل علي براءة وحماية دولية لابتكاره, بتطبيقه علي الغواصات بجميع أنواعها, في22 سبتمبر الماضي.
هكذا استنفد محمد(11) شهرا من أصل ثلاثين مكفولة للتمتع بالحماية, وينتظر من ساعتها النشر الدولي, لعل أحدهم يتبني ابتكاره من الخارج.
محمد, وهو باحث في علوم الفضاء, وعمله الأصلي: مدرس رياضيات بمدرسة خاصة, وعمره واحد وثلاثون عاما فقط, لما علم بوجود جهاز تنمية الابتكار والاختراع, بأكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا, التابعة لوزارة البحث العلمي, وأن بإمكانه أن يساعده علي تسويق ابتكاره, توجه من فوره إلي الأكاديمية بشارع قصر العيني, حيث لقي معاملة رائعة, وفي يوم29 يوليو الماضي كانت فرحته غامرة بتوقيعه عقد تسويق مع الأكاديمية, ينص علي التزام جهاز تنمية الابتكار والاختراع, باتخاذ الإجراءات اللازمة لتسويق اختراعه دوليا لدي السفارات ومكاتب التمثيل التجاري والشركات العالمية والمعارض الدولية, وكذلك التزامه بترويج الاختراع محليا لدي الشركات والمستوردين والمعارض المحلية والإدارات والجهات الحكومية وشركات قطاع الأعمال العام, بشتي الوسائل, مع العمل علي الوصول بالاختراع إلي درجة الاستغلال الأمثل.
في المقابل, يلتزم المخترع( الطرف الثاني في التعاقد), بسداد نسبة10% من قيمة العقد للطرف الأول, في حالة ما إذا تم التعاقد نتيجة تسويق الأخير ومعرفته, لكن النسبة تنخفض إلي5% من قيمة العقد إذا تم التسويق بمعرفة المخترع مع أي شركة خاصة, أو شركة من شركات قطاع الأعمال العام, أو أي جهة أو إدارة حكومية, مقابل ما يبذله الطرف الثاني من جهد, يتمثل في المعاونة والمساعدة والدعم والتزكية لترويج الاختراع وتسويقه.
محمد منير راشد يصف هذا العقد بأنه منصف للمخترع, فهو لا يكلفه أي مبالغ مالية, وفي المقابل يسدد المستحق ماعليه بعد التسويق, والأهم من ذلك أنه يصبغ الحماية الفكرية علي اختراعه, لأنه يلزم الأكاديمية باتخاذ إجراءات الضبطية القضائية الناشئة عن انتهاك أي طرف اخر لحقوق الملكية الفكرية التي تصبغها براءة الاختراع علي موضوع التعاقد.
والأمر هكذا, لم يكتف الباحث الشاب بتوقيع عقد تسويق اختراعه الأول, بل سارع إلي التقدم بطلب إيداع لاختراع جديد ثان له, بتاريخ الأول من أغسطس الحالي, وهو أخطر, إذ تقوم فكرته علي حماية السد العالي من الانهيار, فيما لو تعرض لإطلاق صاروخي, أو هجوم جوي, أو زلزال, الأمر الذي يقتضي ـ أولا ـ أخذ رأي جهة سيادية.
مرارة.. وأحلام
جهاز تنمية الابتكار والاختراع يستهدف تشجيع الأفكار الوطنية المبدعة بشتي الوسائل المادية والأدبية, ويحاول أن يمد يد المساعدة لشبابنا الواعدين, ممن حصلوا علي براءات اختراع, بحيث تتحول هذه الابتكارات إلي منتجات قابلة للتسويق, وقيمة مضافة جديدة للاقتصاد الوطني.
هكذا يقول الدكتور محمد شريف الاسكندراني, المشرف علي قطاع التنمية التكنولوجية والخدمات العلمية بالأكاديمية, مشيرا إلي أن القطاع ينقسم إلي جهازين, تنمية الابتكار والاختراع, ومركز الأجهزة العلمية, مؤكدا أن هدف القطاع دعم وتعزيز الصناعات الصغيرة والمتوسطة بمخرجات الابتكار والاختراع, لذلك يقوم الجهاز في هذا الصدد بتوقيع عقود تسويق مع المخترعين, علي أن يقوم الجهاز بتصنيع النموذج الأولي لابتكاراتهم واختراعاتهم.
ويشير إلي ضرورة نشر الوعي الابتكاري, موضحا أن آليات إخراج براءات الاختراع للاستفادة منها في المجتمع, تشمل النشر الإعلامي, بالدعاية والإعلان والاشتراك في المعارض الدولية والمحلية, بناء علي عقد تسويق يبرم مع المخترع, والتعاقد مع جهة تصنيع كبيرة مثل مصنع99 الحربي, ونأمل أن يأتي يوم تمول فيه الأكاديمية نفسها ذاتيا.
ويضيف بأسي: مجتمعنا مازال لا يستوعب الأفكار الجديدة, وتنقصنا ثقافة الملكية الفكرية, ورجال الأعمال لم يقوموا بأدني جهد من أجل تشجيع الابتكارات, ونطالبهم بأن يمدوا يد العون للمخترعين والدخول معنا شركاء في الكثير من المخترعات لتحويلها إلي منتجات, خاصة أن بعض الشركات تشتري براءات الاختراع من الخارج, وتتكبد مبالغ طائلة في ذلك, واصفا رجال الأعمال بأنهم يحتاجون إلي ثقافة الوعي بأهمية التطوير والتحديث التكنولوجي في صناعاتهم, المبني علي براءات الاختراع. ويستدرك بأن براءات الاختراع تقود الثورات التكنولوجية في كل مكان الآن, وأن جهاز تنمية الابتكار والاختراع عقد خلال الأربعة عشر شهرا الأخيرة43 عقدا تسويقيا لبراءات اختراع مع المخترعين, وهو عدد لا يكفي, ويشيع أجواء من الشعور بالإحباط بين المخترعين.
أحلام الدكتور شريف, والأمر هكذا, انخفض سقفها إلي خمسمائة ألف جنيه( نصف مليون فقط).. إنه مبلغ أحلم بأن يتبرع به للجهاز عدد من رجال الأعمال, أو أحدهم, علي مدي خمس سنوات فقط, أي أن كل ما يحتاجه الجهاز, مائة ألف جنيه سنويا, إلي جانب ميزانيته شديدة التواضع, من أجل تصنيع النماذج الأولية لابتكارات المبتكرين, باعتبارها الخطوة الأولي والأساسية, التي يقوم بها الجهاز بعد التعاقد مع المخترع, كي يتحول ابتكاره إلي مادة قابلة للتسويق, ومن ثم إلي خط إنتاج في مرحلة تالية.
حلقة مفقودة
الدكتور محسن شكري القائم بأعمال رئيس أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا يوضح أن براءات الاختراع ليست سوي وثيقة قانونية تحمي حق المخترع في اختراعه.
وعلي رجال الأعمال التقاط الاختراعات الواعدة, وتحويلها إلي نماذج أولية, ومساعدتنا في عمل هذه النماذج, وتوفير تكلفة كل منها التي تتراوح بين ألف وخمسين ألف جنيه, وإقبال المستثمرين ورجال الأعمال علي استثمار أموالهم في هذه الاختراعات, كي تتحول إلي منتجات, فمن غير المعقول ـ كما يقول ـ أن تتولي الدولة الإنفاق علي البحث العلمي كما هو حاصل الآن بنسبة95%, بل لابد أن يكون الأمر علي الأقل مناصفة بين الحكومة والقطاع الخاص.
ويتابع: إن رقمنا في براءات الاختراع متدن جدا عالميا, فعدد البراءات بالقياس إلي السكان يعد مؤشرا لمدي تقدم الدولة علميا, وهناك حلقة مفقودة بين نتيجة البحث العلمي وتحوله إلي منتج تكنولوجي, والحل في استحداث حاضنات تكنولوجية كوسيط بين البحث والتطبيق, مشيرا إلي أنه خلال عام2006 صدرت130 براءة اختراع في مصر, منها58 لمصريين و72 لأجانب, وأن امتلاك التكنولوجيا ثروة, فاليابان دولة معدمة الموارد لكنها تحقق معظم دخلها القومي من أفكار أبنائها.
نقاط اتصال
متفقة مع الرؤية السابقة, توضح المهندسة نادية عبدالله وكيل الوزارة لشئون مكتب براءات الاختراع بالأكاديمية, أن هناك الآن23 نقطة اتصال تابعة لمركز البراءات في11 محافظة للتعامل مع جمهور المخترعين, بحيث يتم تقديم الطلب في عشرين دقيقة فقط, برسوم قدرها250 جنيها للفرد, تزيد بدرجات متفاوتة بالنسبة للشركات والجامعات, مشيرة إلي أن الأكاديمية تطمح إلي تحقيق عائد مادي, من استثمار براءات الاختراع, بحيث يصبح لها مردود اقتصادي, وأن تصبح براءات الاختراع أداة استراتيجية للتنمية الاقتصادية.
وتؤكد أن المكتب المصري لبراءات الاختراع هو المكتب العربي الوحيد الذي يجري عمليات البحث والفحص لموضوع البراءة, بعكس المكاتب العربية, إذ هي مكاتب تسجيل واستقبال فقط, داعية إلي توجيه التعليم الجامعي للطلبة إلي أن يكونوا مخترعين ومستثمرين, من أجل توطين التكنولوجيا, وإعداد الكوادر البحثية المصرية التي يعتمد عليها الاقتصاد الوطني في التطور.
من بين الابتكارات التي تم توقيع عقود تسويق بين الجهاز والمخترعين بشأنها ماكينة لتقطيع الخبز البلدي, وكرسي متحرك أوتو ماتيك لذوي الاحتياجات الخاصة, تعاقدت عليهما وزارة التضامن الاجتماعي, ومحلول مانع لاشتعال الحريق, وجهاز إلكتروني يقلل ملوحة المياه والرواسب والأملاح المعدنية بمعادلتها كهروستاتيكيا, سوف يتم الانتهاء من إنتاج نموذجه الأول في سبتمبر المقبل, إضافة إلي التعاقد بشأن جهاز طرد هواء الفرامل من السيارة دون مكاركة, وجهاز إنذار فوري للحريق خاصة الماس الكهربي, وجهاز آلي بمطب صناعي لتوقيف السيارة الهاربة, ومنظومة إضاءة استرشادية بسترة النجاة للقبطان, وآخر ذاتي الحركة لتنظيم استهلاك المياه وترشيدها.